أشكُو الزمانَ وقلَّةَ النُّصَرَاءِ وتَوَثُّبَ الحُسَّادِ والأعداءِ
وأرى الحِرَابَ تجمَّعَتْ لتنُوشَنِي وتَعِيْثَ في دَوحِيْ وفي أفيائي
ويَعُقُّني منْ كنتُ أرجو حبَّهم وودِادَهم، في الليلةِ الظَّلماءِ
وأرى ازوِرارًا في وُجوهِ أحبَّتِي وتنكُّبًا عن أيكَتي الخضراءِ
لكنَّ قلبي ليس يصدَعُه سوى جَحْدِ الحبيبِ وقسوةِ الأبناءِ
ربَّيْتُهُم في دَوحَتي أعطيْتُهم من جنَّتي وكسَوْتُهم برِدَائي
ومنَحْتُهم حُلَلَ الفَخَارِ قَشيبةً فَخرًا يجاوِزُ جَبهةَ الجَوْزَاءِ
لكنَّهم لم يَدْفَعُوا عن حُرمَتي أو يُعْظِمُوا قَدري وحقَّ وفائي
أنا أمُّهم ، أمُّ اللغاتِ جميعِها فضلٌ خُصِصْتُ به على النُّظَرَاءِ
إني أنا الضادُ التي قد شُرِّفَتْ وتفرَّدَتْ بمحاسنٍ وبهاءِ
اللهُ عظَّمها فصاغَتْ وَحْيَه بالمعجزاتِ وبالسَّنَا الوُضَّاءِ
عَرَضَتْه في لفظٍ بهيٍّ ساحرٍ وجمالِ إيقاعٍ وحُسنِ أداءِ
صاغَتْه فكرًا مُعْجِزًا متألِّقًا خرَّتْ لديه أكابرُ الفُصَحَاءِ
قد صارتِ الفُصحى يتيمًا ضائعًا ما بينَ أبناءٍ لها جُهَلاَءِ
لا يعرِفُون أصولَها وجُذورَها أو يَغتَذون برَوضِها المِعْطَاءِ
هَجَرُوا الكِتابَ فضاعَ سمتُ كلامِهم واعتاصَ نطقُ حروفِهم بَصَفَاءِ
كم من خطيبٍ بينكم لحَّانَةٍ مُسِخَتْ لديه ملامحُ الأشياءِ
رَفَعَ المضافَ ولم يُوَقِّرْ حقَّه أو جرَّ أسماءً بلا استحياءِ
ولربَّما نصبَ الكلامَ جميعَه من غيرِ ما فرقٍ ولا استثناءِ
ومحاضرٍ هَصَرَ الحديثَ مكسِّرًا ضِلْعَ الحروفِ ورَقْبَةَ الأسماءِ
وإذا تحدَّث في الدروسِ معلِّمٌ هجرَ الأصيلَ إلى لُغَىْ الدَّهْمَاءِ
رَطَنُوا بغيري ذِلَّةً وخَساسةً هانت عليهم عِشْرتي وإخائي
كم زاحَمَتْني أَلْسنٌ عجميَّةٌ وعَدَتْ عليَّ رَطَانَةُ الهُجَنَاءِ
ما بالُهم لا يعبؤونَ بحُرْمَتِي أو يَشفعونَ لذِلَّتِي وعَنَائي
أصبحتُ أسألُ : أين أهلُ مودَّتي؟ أين الصِّحَابُ؟ وأين أهلُ رجائي!
كم صُغْتُ من حَسَنٍ ومن أعجوبةٍ وخَطَرْتُ فوقَ حديقةٍ زهراءِ
ورقصتُ في ثوبٍ بهيٍّ ساحرٍ كالغِيْدِ بين أناملِ الشعراءِ
كم سُحْتُ في دنيا العلوم رشيقةً أختالُ بينَ أزاهرِ العلماءِ
جابُوا بحورَ مدائني فمنحتُهمْ ما فيَّ من ذهبٍ ومِنْ لأْلاَءِ
واليومَ ما مِنْ جاهلٍ متعالمٍ لم يَشدُ بعدُ معالمَ الإملاءِ
إلاَّ ويُفتي في أُموريَ ضَلَّةً ويمورُ من حقدٍ وطولٍ عِداءِ
ويقولُ: إني قد غَدَوتُ عتيقةً وأَضيقُ عن عِلْمٍ وعن أنباءِ
إن اللسانَ على النفوس علامةٌ وبه تُقاسُ أصالةُ الأُصَلاَءِ
وبه تُمَيَّزُ أمَّةٌ من غيرِها وبه افتِخَارُ الفتيةِ الشُّرَفَاءِ
كم من لغاتٍ في الورى مَطموسةٍ نَبُهَتْ بفضلِ رجالِها النُّجَبَاءِ
فبنُو اليهودِ تمسَّكُوا بلسانِهِمْ أحْيَوْهِ من موتٍ وطولِ عَفَاءِ
وأرى بَنِيَّ تنكَّرُوا لجلودِهم واستعبدَتْهُم أَلْسُنُ الغُرباءِ
وتنكَّبُوا ظَهرَ الطَّريق لأمِّهم أفَبَعْدَ ثديِ الأمِّ من أثداءِ؟